رصد خانه بررسی و تحلیل انقلاب اسلامی

در این وبلاگ به رصد خط مقاومت اسلامی پرداخته خواهد شد.

رصد خانه بررسی و تحلیل انقلاب اسلامی

در این وبلاگ به رصد خط مقاومت اسلامی پرداخته خواهد شد.

رصد خانه بررسی و تحلیل انقلاب اسلامی

ما را از نظرات خود بهرمند سازید.مطالب خود را برای درج در بلاگ به رایانامه mogavemat@chmail.ir ارسال نمایید.
اللهم عجل لولیک الفرج
پیوندهای روزانه

الحکومة الإسلامیة فی ظل ولایة الفقیه



الحمد لله رب العالمین، الحمد لله مالک الملک، خالق الخلق، باسط الرزق، فالق الإصباح، دیّان الدین، رب العالمین، والحمد لله على حلمه بعد علمه، وعلى طول أناته فی غضبه وهو قادر على ما یریدوالصلاة والسلام على نبی الرحمة ورسول الهدى والسلام، وبشیر رحمة الله ونذیر نقمته، سیدنا ونبینا أبی القاسم محمد صلى الله علیه وعلى آله الطیبین وأصحابه المنتجبین.

قال الله الحکیم فی کتابه «بسم الله الرحمن الرحیم یا داودإنا جعلناک خلیفة فی الأرض فاحکم بین الناس بالحق ولا تتّبع الهوى فیضلک عن سبیل الله إن الذین یضلون عن سبیل الله لهم عذاب شدید..( سورة صاد،26).

أبدأ بالترحیب بضیوف "عشرة الفجر" وبالفضلاء والعلماء المشارین فی هذا المؤتمر القیّم، وکذلک بجمیع الإخوة المحترمین والأخوات المحترمات، أرحب بکم جمیعاً أیها الأعزاء..

یُعقد هذا المؤتمر فی ظروف یمر العالم فیها بواحدة من أکبر أزماته التاریخیة التی تؤدی عادةالى ظهور تطورات ضخمة، وهی أزمة تشتد تفاقماً یوماً بعد یوم.

لقد شهدت النظم الإجتماعیة والأمم على امتداد التاریخ وفی فترات متباعدة حالات من هذا القبیل، وهی حالات ترى فیها الأمم الذکیة وشخصیاتها التی لها ما یکفی من الذکاء والفطنة بشائر ببزوغ یوم أفضل وحالة فضلى.

وعلى الرغم من أن الأزمة الحاضرة بما فیها من مشقة وحرارة وثقل وظلام وصعوبة لا تصیب عادة إلا الشعوب الضعیفة، وعلى الرغم من أن هذه الشعوب الضعیفة هی التی تتحمل التضحیات فی خضم هذا التناحر العالمی العنیف والمتزاید، فإن موطن هذه الأزمة ومسقط رأسها فی مکان آخر، إن بؤرة هذه الأزمة تقع فی قلب النظم القائمة على المدنیة المادیة. إن أفضل المرض هناک، وأولئک هم المرضى الحقیقیون، وإن الخطر الحقیقی فی نهایة المطافیتهددهم هم.

فی الواقع إن أخطار هذه الأزمة التی أشرت إلیها إنما تهدد الأنظمة القائمة على الصناعة والمدنیة المادیة، وتلک الأنظمة الإجتماعیةوالإقتصادیة المبنیة على الحضارة المادیة والإیدیولوجیة المادیة (شرقیة کانت أم غربیة). إن الزلزلة ستقع هناک، على الرغم من أننا نشهد آثارها ومشاکلها وأزماتها وأمراضها، کما قلت، فی أفریقیا وفی الشرق الأوسط وفی آسیا وفی بلدان أمیرکا الوسطى وأمیرکا اللاتینیة. غیر أن المرضى الحقیقیین هم أولئک، وأعراض المرض بادیة علیهم، إنها إخفاق المدنیة الصناعیة المادیة فی إدارة أمور الإنسان، إنها الأمراض المستعصیة المنتشرة فی أوروبا وأمیرکا، کالتضخم والبطالة والفسادالإجتماعی المستحکم، وضروب من الإختلالات النفسیة التی تزرع الیأس فی الجیل الشاب وتشیع الخمول بین قوى المجتمع النشطة، وتجعلهم یرکضون وراء التافهات من الأمور والخاویات من الأفکار، ومن ثم التحول الى الجریمة. هذه دلائل سوء فی المجتمع، وظهورها فی أی مجتمع دلیل على أن ذلک المجتمع قد أصیب بالشلل، ولم یعد قادراً على إدارة شؤونه، وخاصة إذا عرفنا أن تلک الأمراض لیست سریعة الزوال، بل إن تلک المشاکلوالإختلالات خرجت من نطاقها الضیق الخاص بالمحللین والمختصین الى حیث المؤسسات العامة والناس، ففضلاً عن کونهم یلمسون تلک الأمارات والآثار بکل وجودهم فإنهم یحسون بها فی أفکارهم وعقولهم أیضاً، بما ینطبق تماماً مع الآیة الشریفة «ظهر الفساد فی البر والبحر بما کسبت أیدی الناس...» (الروم،41).

هذه هی حصیلة ذلک الحطب الأخضر الذی باعه مؤسسو التمدن المادی، الغربیون والشرقیون، للناس والأجیال، إن دخانه الیوم یعمی عیونهم هم ویهددهم بالزوال والفناء.

غیر أن الشعوب، من جهة أخرى، قد استیقظت، وهذا أمر مهم وجدید. إن هذه الیقظة تختلف عن یقظة الشعوب فی أواسط النصف الأول وأواخره من القرن العشرین فیومئذ کان الناس یصحون، ویغادر المستعمرون البلاد المستعمرة، وتقام أنظمة أسمَوها بالأنظمة الوطنیة أو الشعبیة لتحل محل المستعمرین. إلا أن الخدیعة التی ألبسوها على الناس، والمکر الذی مکروه بهم، قد زادا الناس خبرة وحنکة وشحذا ذکاءهم. إن یقظة المسلمین الیوم یقظة لا یقنعها غیر القضاء جذریاً على المشکلات. إن الیقظة الیوم تتخذ وجهة واحدة، وهی الوقوف بوجه الظلم الذی ینزل بعض القوى الإستکباریة فی العالم بالشعوب، وذلک هو جوهر القضیة، وإن تکن الشعارات تختلف من حیث المکان واللسان.

إن شمال أفریقیا وجنوبها یغلیان الیوم، ولکن بشعارات مختلفة ولغات متباینة، أما المطالیب فواحدة. فی کلتا الجهتین یعلو الهتاف ضد النظم والحکومات، ضد التمییز العنصری فی الجنوب وضد أمور أُخَر فی الشمال.

إن أهالی مصر وأهالی أفریقیا الجنوبیة یطالبون جمیعاً بحکم عادل وباحترام الإنسان حیث یحتقر. إن الإنسان فی مصر قد احتقر مثلما احتقر الإنسان فی أفریقیا الجنوبیة.

لقد هبّت الشعوب الیوم من نومتها، وقد رافقت یقظتها تجربة ناجحة بین شعوب العالم الثالث، تلک هی تجربة إیران الإسلامیة.

إن من العوامل الرئیسیة فی یقظة الشعوب هو وجود نظام یستندالى حرکة جماهیریة، ویعتمد مقاومة شجاعة لا تعرفالإستسلام للقوى العالمیة. إنها جاذبیة النظام الجمهوری الإسلامی التی تحیی الأمل فی نفوس الشعوب، وکلما مضى یوم ونحن باقون، وهذا النظام باقٍ، والإسلام هو الحاکم الوحید،إزداد هذا الأمل فی الشعوب قوة ورسوخاً.

إن المحاباة لم یُقضَ علیها بعد، والمتشائمین لما تدخل الثقة فی قلوبهم، إلا أن مرور الوقت کفیل بتحقیق ذلک، على أن یکون مرور الوقت هذا مصحوباً بحفظ المبادئ، إذ أننا إذا فقدنا مبادئنا نکون قد فقدنا هویتنا الثوریة، وهو ما سوف یدعوالى زوال ثقة الشعوب التی ترید أن تجعل من إیران قدوة تقتدی بها.

هذه الظروف العجیبة تکشف عن عظم الکارثة التی تحیق بالقوى العظمى والناشئة عن ضعف أنظمتها القائمة على القوى العسکریة الغاشمة. أی أننا حتى لو افترضنا عدم وجود أی طرف معارض لتلک الأنظمة المتسلطة المادیة فی العالم، غربیة وشرقیة، فإنها لا بد لها من الإنهیار والسقوط بسبب بنیتها السقیمةوالإختلال والنقص الموجودین فی داخلها.

إن هذا النقص الذاتی والبناء المادی السریع العطب والسریع الزوال شبّهه الله تعالى بالکلمة الخبیثة بقوله «ومَثَلُ کلمة خبیثة کشجرة خبیثة اجتُثّت من فوق الأرض ما لها من قرار» (إبراهیم، 26).

فهی أنظمة غیر باقیة، لأن تلک الکلمة الخبیثة تفتقر الى الإمکانیة الذاتیة على البقاء، خاصة وأن الشعوب المظلومة والمستضعفة قد سارعت الى إعلان معارضتها لتلک النظم المادیة، کالذی نراه فی أفریقیا والشرق الأوسط، فی لبنان وفی جنوب آسیا وفی کل مکان فی العالم حیث یوجد شعب مستضعف، وهی الیوم أشد من أی وقت مضى. إن ما یعتبر قدوة للشعوب هو النظام الجمهوری الإسلامی، وما من نظام آخر تتخذه الشعوب قدوة لها الیوم. فی الماضی کانت هناک نظم لفتت أنظار الشعوب التی کانت ترید صنع نفسها ومستقبلها، أما الیوم فلا. إن البقعة النیّرة التی تتطلع إلیها الشعوب وهی تناضل وتضحی وتخاطر بحیاتها، هی نظام الجمهوریة الإسلامیة. والمسلمون من تلک الشعوب أقرب الى ذلک بطبیعة الحال. وذلک لأن المسلمین یرَون أن شخصیتهم الإسلامیة المضطهدة المحتقرة قد برزت الیوم فی صورة نظام شجاع، مهاجم، مقدام، تقدّمی، مجرِّب، ولذلک فإنهم یشعرون بالعزة والفخر.

ظلت الهویة الإسلامیة عرضة للمهانة والتحقیر سنوات طویلة. وقد أریدَ للمسلمین أن یترکوا هذه الهویة وینبذوها لأنها مجرد خرافة زائدة.

إن الذین استسلموا للضغط وهجروا هویتهم الإسلامیة، یشعرون الیوم بالثورة فی أعماقهم، وهم یرَون تلک القیم التی اعتبروها قیماً سلبیة غدت الیوم قیماً إیجابیة فعالة أثبتت وجودها النشط على الصعید العالمی الواسع. إنهم یحسون بالحاجةالى العودةالى تلک القیم. وهذا هو السبب فی ما نشهده الیوم من أن المتنورین، الذی تنکروا للإسلام، عادوا یزحفون نحو القرآن والإسلام الصحیح فی کثیر من دول العالم، فضلاً عن الشعوب والجماهیر المستضعفة التی بقیت محافظة على هویتها الإسلامیة والحیویة، وفعالة فی إیجابیتها، وشجاعة فی مواجهة القوى العظمى، وثابتة لا یعتریها الکلل، ونامیةکالکوثر فی العطاء، لا یعود یخامرهم الشک لحظة فی أن هذه الهویة قیّمة، فیتجهون نحوها، مدرکین أنها مصداق الآیة «إنا أعطیناکالکوثر. فصلِّ لربک وانحر. إن شانئک هو الأبتر». ذلکم هو الدلیل على أن التاریخ یعید نفسه، فالیوم ذلک التمدن نفسه یطعن القیم الإسلامیة والإیمانیة، إنه هو "الأبتر"، هو المنتهی الذی لا عقب له. إن الأمة الإسلامیة تحس بهذا کله، ولکنه إحساس لیس مقتصراً على الأمة الإسلامیة، فالأمم غیر المسلمة تحس الإحساس نفسه، وهم کذلک یحبون النظام القوی المقتدر المقاوم لقد أتعبتهم السلطة، ولا فرق بین السلطات فالسلطة الظالمة سیئة بصرف النظر عن نوع النظام الذی تمثله. لذلک فإننا نشهد الیوم التوجه نحو الإسلام وإیران الإسلامیة والجمهوریة الإسلامیة والثورة الإسلامیة وشعارات هذه الثورة فی بلدان هی تحت سیطرة الشرق والغرب. إننا نشهد هذا المیل فیهم بکل وضوح وثبات؛ ولا یختلف الأمر مع أولئک الذین نادَوا بالشعارات الإشتراکیة فی بلدانهم، فهم بعد أن أدرکوا فراغ أنظمتهم وضعفهاوهشاشتها لکونها بُنِیت على تلک الشعارات،إلتفتوا بمیولهم نحو ذلک النظام المقتدر الصلب المقاوم؛ ذلک هو نظامکم، نظام الجمهوریة الإسلامیة.

إنکم وفی مثل هذه الظروف یدور بحثکم حول الحکومة الإسلامیة، إنکم تحسبونه بحثاً جافاً، ولکنه لیس بحثاً عقلیاً مجرداً. إن البحث فی الحکومة من أکثر البحوث واقعیة وعملیة مما یمکن أن یجری بحثها فی العالم.

الحکومة فی النظام الإسلامی تعتبر العمود الفقری والدماغ والقلب ومقر قیادة الجسم ومصدر الأوامر للأعصاب، ذلک لأنها أحد العناصر الثلاثة المهمة التی یتألف منها النظام الإجتماعی فی النظام الإسلامی. وهذه العناصر الثلاثة هی الحاکم، والقانون والناس، فالحکومة تأتی على رأس هذه العناصر الثلاثة. لیس من الممکن أن نفکر بإقامة نظام إسلامی من دون أن نفکر فی الحاکم وفی شکل نظامه.

إذا ما ادُّعیَ أنه نظام إسلامی، فإن خیر محک لهذا الزعم هو أن ننظر الى حاکمه، وهذا أقرب محک الى متناول الید. کیف یصح أن یکون الإسلام هو نظام الحیاة فی بلد ما ثم یکون أهم قسم من هذا النظام ورأسه، وهو الحکومة، بعیداً عن استلهام الأحکام الإسلامیة، ولم یتشکل بالشکل الإسلامی؟ إننا إذا أردنا أن نبحث فی الحاکم والحکومة علینا أن نبحث بکل دقة وإنعام نظر، ذلک لأن هذا الموضوع یقع الیوم هدفاً للهجوم. إن من المهم للأجیال القادمة ولسائر جماهیر العالم أن تعرف أن الإسلام وتحقق نظامه على صعید الواقع لیس هو وحده الذی یتعرض للتهجم وإخصام على ید القوى العظمى وأعدائه، إنهم یهاجمون حتى وجوده الذهنی فی الأفکار، إنهم یحاربونه فی کل جبهة تظهر فیها حکومة إسلامیة،وها هی أمامکم إیران الإسلامیة کمثال على ذلک. إن قوى العالم بلا استثناء لم تترک وسیلة تؤذی بها هذا البلد وهذا الشعب وهذه الحکومة وهذا النظام إلا استعملتها، ولم تترک طریقاً لإظهار العداء لهذا البلد وهذه الأمة إلا سلکته، بما فی ذلک حیاکة المؤامرات، والحرب،والإعتداء العسکری، ونشر الشائعات والأراجیف، والمقاطعة الإقتصادیة. هذه کلها کانت کافیة لتطیح بأی نظام آخر. غیر أن مناعة هذا النظام ناشئة من القرآن الذی حفظه من الإنحراف یساراً أو یمیناً لاستمالة فریق من الناس.

هذه الهجمات قد وجهت الى وجود الحکومة الإسلامیة العینی. إلا أن مهاجمتها فی وجودها الفکری لا یقل عن ذلک عنفاً، ویتمثل هذا فی تحریف مفهوم الحکم الإسلامی. وهو لیس بالأمر الجدید، فقد کان على امتداد التاریخ. فباسم الحکم الإسلامی وإمامة المسلمین، فی عهد السلاطین العباسیین والأمویین، حدثت أمور ضد "أئمة العدل" کما یصفهم الشاعر الإسلامی المجاهد "الکمیتالأسدی" فی إحدى قصائده التی یقول فیها

 

ساسة لا کمَن یرى رعیةالـ ـنــاس سواء ورعیة الأنعــام

 

من هذا یبدو أن الذین کانوا على رأس الحکم یومذاک، والذین یعرّض بهمالکمیت، کانوا لا یمیزون بین رعی الناس ورعی الأنعام، ومنذ ذلک الیوم أناس ارتکبوا مثل تلک الأعمال باسم حکم الإسلام والحکومة الإسلامیة، والیوم ما یزال هذا التحریف فی مفهوم حکم الإسلام باقیاً فی الأذهان بشکل أو بآخر.

لقد أثار عالم الیوم الکثیر من اللغط حول تحریف مفهوم الحکومة الإسلامیة. فمرة یشبّهونها بالحکم الکنسی فی الفترة المظلمة من تاریخ أوروبا، ومرة یقولون إنها حکم رجعی ومتخلف لا یؤمن بالتطور ومرة ثالثة أنها ضد العلم، ورابعة أنها ضد المدنیة، أو یسمونها بأنها تعارض حقوق المرأة التی تؤلف نصف سکان المعمورة، لو أنهم استطاعوا بکلمة واحدة أن یدخلوا فی الأذهان أن النظام الإسلامی یعارض منح المرأة حقوقها، لتمکنوا من إثارة نصف سکان العالم ضد هذا النظام، وإذا ما صدّقت النسوة بهذا فمن البدیهی أنهن لن یقفن الى جانبه.

کثیرة تلک الأسالیب التی مارسوها والتهم التی ألصقوها بالنظام الإسلامی والحکومة الإسلامیة لتحریف حقیقة الإسلام، ولهذا کان لا بد من القیام بعمل جاد فی هذا السبیل. إن الآیات القرآنیة کثیرة بهذا الشأن، وکذلک المصادر الإسلامیة أیضاً، فعلى المفکرین الإسلامیین والعلماء المسلمین أن یشمّروا عن ساعد العمل، فلو أنهم تناولوا هذه المسألة وحدها بالشرح والتوضیح، لکان له أثر کبیر فی تهیئة عقول الأمم والشعوب لمعرفة الحق. وهذا ما حدث فعلاً فی بلدنا، فخلال الخمس عشرة سنة من نضالنا الثقافی والسیاسی کانت أشد ضربة أنزلناها بالتصورات التی أشاعها النظامالشاهنشاهی السابق هی بحث الحکومة الإسلامیة وشرحها، سواء فی الدروس التی کان یلقیها إمام الأمة فی النجف الأشرف، أم فی البحوث التی دارت حول هذه المسألة کمقدمة لها، فکانت هذه تدخل فی أعماق مجتمعنا، یتناولونها بالدرس والفهموالإستیعاب. إن البحث فی هذه القضیة مهم وینبغی أن لا نستصغر شأنه. إننا فی هذا النظام الجمهوری أقمنا الحکومة الإسلامیة، وإن لم ندَّعِ أنها أقیمت بصورتها المتکاملة، ولکننا ندّعی بأننا نتخذالإحتیاطات التامة للتقید بتطبیق أحکام القرآن، وإننا ندرک أن الحرکة نحو تکمیل هذا النظام حرکة تدریجیة، وإننا سائرون على الدرب نحوه، إذ أن هناک الکثیر من المسائل لم نحلها بعد.

إن أول مسألة برزت أمامنا فی باب الحکومة فی نظام جمهوری إسلامی، وارتسمت فی أذهاننا جمیعاً باعتبارها شعاراً إسلامیاً وعَلَماً من أعلام الحکم الإسلامی، هی القول بأن الإنسان قد ولد بطبیعته حراً، ولیس هناک تحت الشمس إنسان یحق له أن یحکم إنساناً آخر. وکان هذا فی نظرنا جزءاً منالبدیهیات والمسلّمات الإسلامیة. والأمر کذلک أیضاً فی النصوص الإسلامیة، فقد جاء فی الآیة الکریمة «وتلک نعمةٌ تمنّها علیّ أن عبَّدت بنی إسرائیل» (الشعراء، 22)، وکذلک ورد عن أمیر المؤمنین علی (ع) قوله "لا تکن عبدَ غیرک وقد جعلک الله حراً".

وهذا هو مضمون آیات قرآنیة متوافرة ومتواترة. وفی هذه الآیة التی ترد على لسان موسى (ع) مخاطباً فرعون، القصد من تعبید بنی إسرائیل هو التسلط علیهم وحکمهم واضطهادهم دون اهتمام بمشاعرهم. إن الإسلام یمنع کل أنواع التسلط المعنوی والمادی على الناس، ما دامت هذه السلطة غیر منتهیة الى الله. یقول الله سبحانه «إتخذوا أحبارهمورهبانهم أرباباً من دون الله والمسیح ابن مریم وما أُمروا إلا لیعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما یشرکون» (التوبة، 31).

أی أن سلطة الأحبار والرهبان الفکریة والروحیة تعتبر ربوبیة، فهی ممنوعة. کذلک سلطة فرعون المادیة سلطة ربوبیة ممنوعة.

إن الحکم على الناس لله وحده سبحانه، کما جاء فی الآیة الثانیة على لسان یوسف (ع) «... إنِ الحکم إلا لله أمَرَ ألاّ تعبدوا إلا إیاه ذلک الدین القیِّم ولکنّ أکثر الناس لا یعلمون» (یوسف، 40).

ولعل السبب فی أن أکثر الناس لا یعلمون هو أنهم قد اعتادوا على غیر ذلک، إنهم اعتادوا على أن یحکمهم أفراد من البشر فلیس بمقدورهم أن یتصوروا أن أیاً من البشر، مهما تکن قدرته وثروته، ومهما یکن شرف قبیلته ونبل نسبه، لا یمکن أن یتسلط على جمع من البشر ویحکمهم «ولکنّ أکثر الناس لا یعلمون»

وفی الآیة التی أوردتها فی صدر کلامی، یخاطب الله سبحانه وتعالى داود (ع) قائلاً «یا داود إنا جعلناک خلیفة فی الأرض» أی لولا "الإرادة" الإلهیة فی "جعل" داود خلیفة، لما کان لداود الحق فی هذا على الرغم من کل فضائله ومقامه.

وفیما یتعلق بالأنبیاء جاء فی سورة البقرة «کان الناس أمة واحدة فبعث الله النبیین مبشّرین ومنذرین وأنزل معهم الکتاب بالحق لیحکم بین الناس فیما اختلفوا فیه...» (البقرة، 213)ههنا تعیّن أن النبی یحکم بین الناس لا بحسب ما یهوى ویشتهی بل وفق الکتاب، فهو الحاکم وهو میزان الحکم. إن هیکل النظام العام یقرره کتاب الله، والنبی قد "جعله" الله القائم بتنفیذ ما جاء فی الکتاب. وهذا هو المبدأ الثانی من مبادئنا المقبولة عندنا.

أی أننا بعد أن قبلنا بأن أفراد البشر لا حق لهم فی أن یحکم بعضهم بعضاً وأن کل حکم من هذا القبیل لا ینتهی الى الله یکون حکماً غاصباً وغیر منطقی، نعود لنبحث عما یجب أن یعتمده الحاکم الإلهی عند الحکم، وهو کتاب الله، وهذا هو "القانون" الذی یعتبر العنصر الثانی من العناصر الثلاثة فی الحکومة الإسلامیة والنظام الإسلامی. فالحکم یجب أن یکون على وفق ما جاء فی کتاب الله.

 

والحاکمون هم الأنبیاء الذین نصّبهم الله، أو الأوصیاء الذین ینصّبهم النبی. أما عندما لا یکون هناک حاکم نصّبه رسول الله (ص)، کزماننا هذا، فلا موجب للإختلاف حول إمام منصوب بین القائلین بنصب خلیفة بعد رسول الله (ص) والقائلین بعدم نصب خلیفة بعده. لم یعد الیوم معنى فی وجود ذلکالإختلاف حول العثور على الحاکم الإسلامی، لأننا سواء أقلنا بالتنصیب أم لم نقل، فإن الإمام الحاکم المنصوب لا وجود له، فعلینا أن نبحث عن المعیار.

ترى ما هی تلک المعاییر التی إذا توفرت فی فرد حقَّ له أن یحکم من قبل الله. إن مثل هذا الفرد یجب أن یحکم بکتاب الله، ویجب أن یکون عالماً بالکتاب إذ لا یمکن أن یحکم بکتاب الله مَن لم یکن عالماً به، ولـمّـا کان علیه أن یربی الناس ویهذبهم وهذا من شؤون الأنبیاء، وعلى الحاکم الإسلامی أن یکون کذلک أیضاً فلا بد أن یکون هو نفسه قد تربى وتهذب، ولهذا تجب مراعاة العلم والعدالة فی الحاکم الإسلامی. إن الإمام أو القائد وهو تعبیر دقیق وکامل عن الحاکم الإسلامی لا بد وأن یکون عالماً بکتاب الله، أی یجب أن یکون متفقهاً فی الدین، ولا بد وأن یکون عادلاً، لا یتّبع هوى نفسه، ذلک لأن الله تعالى أمر نبیه داود (وسائر الأنبیاء) قائلاً به «ولا تتّبع الهوى فیُضلَّک عن سبیل الله» لأن اتّباع الهوى هو أصل الفساد فی المجتمعات، وبناءاً على ذلک فلا بد للحاکم الإسلامی من أن یتجنب الوقوع تحت تأثیر هوى نفسه، وهذا لا یکون إلا بالعدالة، فتکون نفسه مصونة عن المیل الى الدنیا، فلا تجذبهاالمطامح الدنیویة.

هذه الشروط والمؤهلات لم ترد بصورة تفصیلیة فی النصوص الإسلامیة ولا فی الکتاب والسنّة، إنما هی حکومة الفقیه وولایة الفقیه التی اخترناها محوراً وقاعدة لبناء نظامنا الجمهوری وأعلنّا عنهاحکومة الفقیه هی حکومة العالم بعلم الکتاب، العالم بالدین، ولکن لا کل فقیه، فالعالم الذی یقع تحت تأثیر هوى نفسه لا یمکن أن یدیر شؤون البلاد، وبالإضافة الى العلم والتهذیب، أو العلم والعدالة، لا بد وأن تکون له القابلیة على الإدارة، وهذا شرط عقلی، کما جاء فی القرآن الکریم فی حکایةطالوت «... إن الله قد بعث لکمطالوت مَلِکاً قالوا أنّى یکون له الملک علینا ونحن أحق بالملک منه ولم یؤتَ سَعةً من المال قال إن الله اصطفاه علیکم وزاده بسطة فی العلم والجسم...» (البقرة، 247)، وبدیهی أن البسطة فی الجسم لا تعنی القوة الجسمیة والبنیة السلیمة فحسب بل لعلها تعنی أیضاً العقل السلیم والقدرة على الإضطلاع بأعمال الإدارة، وحتى لو لم تعنِ ذلک فإنها شرط لا بد منه.

هذه أمور نرى لزوم توفرها فی الحاکم وعلى أساسها تم اختیار الحاکم، فالولی الفقیه أو ولایة الفقیه مبنیة على هذا الأساس، وبموجبه اختیر الولی.

وهکذا نکون قد وجدنا الحل لقضیة الحاکم والقانون، فالحاکم هو ذلک الإنسان الذی اختیر على وفق المعاییر والموازین، وهی موجودة فی القرآن. والقانون هو ما أشیر إلیه فی القرآن وما وجب حتى على الأنبیاء اتّباعه دون أن یصدروا حکماً من عندهم؛ فالکتاب فیه قوانین الدین والوحی الإلهی.

العنصر الثالث هو الناس، أترانا فی النظام الإسلامی قد أهملنا الناس؟ کلاً أبداً، فالناس عنصر رئیسی فی النظام، هم الذین ینتخبون، وهم الذین یعیّنون، وهم الذین یرجع إلیهم فی التشاور وفی اتخاذ القرارات. إن الناس فی الواقع هم أصحاب الإختیاروالإختیار حقیقة موجودة.

إن فی انتخاباتنا اختلافاً مبدئیاً عن الإنتخابات الدیمقراطیة الغربیة وإن کانت التسمیة تُطلق علیهما کلیهما وهی تختلف عن الدیمقراطیة الشرقیة اختلافاً رئیسیاً أیضاً، على الرغم من أنها فی ظاهرها انتخابات دیمقراطیة.

فی الدیمقراطیة الغربیة یحق لجمیع الناس أن یشترکوا فی الإنتخابات وأن ینتخبوا مَنشاؤوا، أی لا وجود لشروط خاصة فی المنتخَب؛ فإذا استطاع شخص فاسد أو فاسق أو ضعیف أن یعلن عن نفسه، بالمال أو بالإغراء، فیحرز أصوات بعض الناس، فإن النظام لا اعتراض له على ذلک. أما فی النظام الإسلامی فالأمر لیس کذلک، فثمة شروط لا بد وأن تتوفر فی المنتخبین، والناس ینتخبون ممن تتوفر فیهم تلک الشروط أو الموازین، ومَن لا تنطبق علیه تلک الموازین لا یرشح للإنتخاب.

أما فی الدیمقراطیة الشرقیة فالأمر أسوأ، إذ أن الإنتخابات لا تجری بین الناس جمیعاً، فحق الإنتخاب مقصور على أعضاء الحزب. بل یمکن القول فی کثیر من الحالات إنه حتى أعضاء الحزب لا یحق لهمالإنتخاب، بل إنه مقصور على کبار النخبة من الأعضاء فقط.

 

أما فی نظام الجمهوریة الإسلامیة فالإنتخاب حق للجمیع، أو للأکثریة القریبة من الإجماع، فیما یتعلق بانتخاب القائد، على شرط أن یکون فقیهاً عادلاً وحائزاً على الشروط الأخَر، کالقدرة والإدارة والتدبیر والإیمان بخط الثورة الإسلامیة وغیر ذلک مما هو مدوَّن فی دستور الجمهوریة الإسلامیة المعمول به حتى الآن، فالناس ینتخبون واحداً من بین هؤلاء، ومَن یفز بأکثریة أصوات الناخبین المطلقة یکن هو القائد للأمة.

أما بالنسبة للحکم فللناس دورهم فی انتخاب مجموعة لنظام کامل، کما أن للقیم دورها، وللأحکام الإلهیة دورها أیضاً. وهذا هو النظام النبوی. ذلک أننا عندما ندرس تاریخ الأنبیاء نجد أن أهم عمل قاموا به هو التعلیم والتزکیة وإدارة شؤون المجتمع. هذه هی الأعمال الثلاثة التی کان الأنبیاء یضطلعون بها تعلیم الناس المعارف الإلهیة، والمنظور الإسلامی، والأحکام الإلهیة، وتربیتهم، وتزکیتهم، ورعایة مواهبهم، وإعداد الناس لکی یدیروا شؤونهم بأنفسهم، ومن ثم إدارة شؤون المجتمع الذی تکون إدارته من شؤون الأنبیاء، ما دام فیهم نبی، بحسب الحکم الإلهی.

إن لدینا الیوم هذا النموذج، ولکن کما قلت هنالک بون بین هذا النموذج وما یمکن أن یکونه النموذج الثالث، إلا أن هذا البون ینبغی أن یتضاءل یوماً بعد یوم، وأن تردم الهوة التی تفصل بینهما حتى یتطابقا معاً.

لقد کنا نعلم بالطبع أن مجرد وجود نظام کهذا سیؤلب علینا القوى العظمى والسلطاتالإستکباریة، وکنا ننتظر حملاتها، وما زلنا ننتظرها حتى الآن. لم یخطر لنا ببال أن القوى العظمى فی العالم سوف ترفع أیدیها الأثیمة بسرعة عن هذا النموذج الإسلامی الحی، ولا نحن نتوقع ذلک منها، بل الذی نتوقعه هو استمرارها فی التهجم والهجوم،بمثلما کان الحال فی صدر الإسلام کما جاء فی القرآن الکریم «ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصَدَق الله ورسوله..» (الأحزاب، 22).

فهم لم یستغربوا حشود الأحزاب لأنهم کانوا یتوقعونها. ونحن الیوم کذلک، فکلما ازدادت حساسیةالإستکبار الشرقی والغربی من جهتنا وازداد تکالبه علینا، زاد إیماننا بحقانیتنا وبأننا خطر حقیقی على الإستکبار العالمی، ولذلک راح یلقی بثقله ضدنا.

والیوم وبعد أن وصل تکالبالإستکبار علینا الى أقصى درجاته، فقد وصل إیماننا بفضل الله الى أقصى درجاته أیضاً.

ها أنتم الیوم أمام هذا النموذج العینی القائم لنظام حکومة إسلامیة یمکن تحلیلها،وها هی مسألة مهمة یمکن فیهاللإخوة والأخوات المشارکین والمشارکات فی هذا المحفل، والعلماء الأجلاء المحترمین فی الجلسة، أن تتظافر مساعیهم لتحلیل هذه المسألة على أحسن وجه، ففی ذلک عون لنا على إیصال نظامنا الى الکمال، وستکون حصیلة هذه التحلیلات موضع التطبیق عندنا، کما أن فیه أیضاً تنویراً لسائر الأمم.

إننی أطلب وأرجو من العلماء المحترمین والخطباء والمتنورین فی الدول الإسلامیة فی العالم أن یتناولوا موضوع الحکومة الإسلامیة بالشرح والتوضیح للناس، فهذا من أهم المواضیع التی یجب أن تُدرس وتُبلّغ لعموم الناس. علیهم أن یبیّنوا للناس مدى المسافة التی تفصل واقع الحیاة حولهم عن الحقیقة التی یریدها الإسلام ویریدها الله.

إن هذا هو الذی یحدو بناالى أن نقدّر هذا الإجتماع الجلیل القیّم وأن نجلّه، سائلین الله تعالى أن یوفقکم، أیها الإخوة وأیتها الأخوات،آملین أن تعرض فی جلساته العامة وفی لجانه فی أیام انعقاده بحوث نافعة تعمل على تحسین المعرفة بالقضایا الخاصة بالحکومة الإسلامیة.

مرة أخرى أرحب بضیوفنا الأعزاء، وعلى الأخص ضیوفنا الأجانب من الدول الإسلامیة وغیرها ممن تفضلوا بقبول دعوتنا للمشارکة فی هذا المؤتمر، وکذلک أرحب بضیوف عشرة الفجر، سائلاً الله تعالى التوفیق لکم جمیعاً أیها الأعزة، وکذلک للقائمین على أمر هذا المؤتمر.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته..

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی